بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :-
فالمشروع عند اللقاء هو السلام والمصافحة بالأيدي ، وإن قدم الإنسان من سفر فتشرع معانقته ، وأما التقبيل عند كل لقاء فليس من سنة السلام ، بل ورد النهي عنه ، فقد روى الترمذي (2728) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي .
نعم ، يشرع التقبيل أحيانا ، للقادم من سفر ونحوه ، وانظر السؤال رقم (34497 ) .
وأما تبادل القبل كل صباح ، فلا شك في عدم مشروعيته ، وأنه ظاهرة غريبة دخيلة على مجتمعات المسلمين ، ويخشى أن تكون ذريعة لمن في قلبها مرض ، تتوصل بذلك إلى استمتاع محرم ، في إطار ظاهرة أخرى مذمومة تسمى ظاهرة الإعجاب ، وهي العشق المحرم من غير شك .
قال النووي رحمه الله :
" وأما المعانقة وتقبيل وجه غير القادم من سفر ونحوه - غير الطفل - فمكروهان ، صرح بكراهتهما البغوي وغيره ... فأما الأمرد الحسن فيحرم بكل حال تقبيله سواء قدم من سفر أم لا ، والظاهر أن معانقته قريبة من تقبيله ، وسواء كان المقبِّل والمقبَّل صالحين أو غيرهما " انتهى من "المجموع" (4/477) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هناك ظاهرة تقبيل الشباب بعضهم البعض على الخدود في كل ملتقى ، وفي كل يوم ، وانتشرت هذه الظاهرة مع الشيوخ وفي المسجد وفي الصف ، هل هذا مخالف للسنة أم لا حرج فيه أم بدعة أم معصية أم جائزة ... ؟
فأجابوا : " المشروع عند اللقاء : السلام والمصافحة بالأيدي ، وإن كان اللقاء بعد سفر فيشرع كذلك المعانقة ؛ لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا ، وإذا قدموا من سفر تعانقوا ) . وأما تقبيل الخدود فلا نعلم في السنة ما يدل عليه " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/128) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/74) تحت حديث رقم (160 ) ، وهو حديث الترمذي الذي ذكرناه في أول الجواب :
" فالحقُّ أنّ الحديث نصٌّ صريح على عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء ، ولا يدخل في ذلك تقبيل الأولاد والزوجات ؛ كما هو ظاهر .
وأمّا الأحاديث التي فيها أنّ النبيّ صلي الله عليه وسلم قبّل بعض الصحابة في وقائع مختلفة ؛ مثل تقبيله واعتناقه لزيد بن حارثة عند قدومه المدينة ، واعتناقه لأبي الهيثم بن التيهان ، وغيرهما ؛ فالجوّاب عنها من وجوه :
الأول : أنها أحاديث معلولة لا تقوم بها حجة . . .
الثاني : أنه لو صحّ شيء منها ؛ لم يجز أن يعارض بها هذا الحديث الصحيح ؛ لأنها فعل من النبيّ صلي الله عليه وسلم يحتمل الخصوصيّة أو غيرها من الاحتمالات التي توهن الاحتجاج بها ، على خلاف هذا الحديث ؛ لأنه حديث قوليّ وخطاب عام موجّه إلى الأمة ؛ فهو حجة عليها ؛ لما تقرر في علم الأُصول أنّ القول مقدّم على الفعل عند التعارض ، والحاظر مقدمٌ على المبيح ، وهذا الحديث قولٌ وحاظرٌ ، فهو المقدّم على الأحاديث المذكورة لو صحّت .
وكذلك نقول بالنسبة للالتزام والمعانقة ، أنها لا تشرع لنهي الحديث عنها ، لكن قال أنس رضي الله عنه : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا ، فإذا قدموا من سفرٍ تعانقوا ) . رواه الطبراني في الأوسط ، ورجاله رجال الصحيح ، كما قال المنذري (3/270) ، والهيثمي (8/36) .
وروى البيهقي (7/100) بسند صحيح عن الشعبي : ( كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا ؛ صافحوا ، فإذا قدموا من سفر ؛ عانق بعضهم بعضاً ).
وروى البخاري في الأدب المفرد (970) ، وأحمد (3/495) عن جابر بن عبد الله قال : ( بلغني حديث عن رجلٍ سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتريت بعيراً ، ثمّ شددتُ عليه رحلي ، فسرتُ إليه شهراً حتى قدمتُ عليه الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس ، فقلت للبـواب : قل له : جابر على الباب . فقال : ابن عبد الله ؟ قلتُ : نعم . فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته . . ) الحديث . وإسناده حسن كما قال الحافظ ( 1/ 195) ، وعلّقه البخاري .
فيمكن أن يقال : إن المعانقة في السفر مستثنى من النهي لفعل الصحابة ذلك " انتهى .
والله أعلم .
ومن مكان اخر
كتب هيثم دبور ١٨/ ٥/ ٢٠٠٩
ارتبطت عادة التقبيل لدى شعوبنا العربية بتبادل التحية، فأصبحت طقساً لا يغيب عن أى مجتمع عربى، بدءاً من التقبيل على الوجنتين وانتهاء بالكتف والأنف، فصارت جزءاً من ثقافتنا رغم أن التأمل فيها تاريخياً ودينياً
وصحياً ونفسياً، سيصل بك إلى حقائق ستدفعك أن تحيد عن هذه العادة، فأضرارها الصحية لا تعد ولا تحصى، «المصرى اليوم» تطلق حملة للتوقف عن التقبيل كتحية، وتدعو قراءها إلى المشاركة فيها بالرأى والمقترحات، وتنتظر إسهاماتهم الكريمة.
تختلف درجة إظهار المصريين لمودتهم أثناء المقابلات اليومية المعتادة، تبدأ بالمصافحة التقليدية مرورا بالاحتضان وانتهاء بالتقبيل، الذى يستخدمه المصريون لإظهار المودة أو الامتنان أو السعادة بالتعارف الأول لشخص جديد، ولا تقتصر تلك العادة على نوع دون آخر، يقبّل الرجل قرينه أثناء المصافحة، وتفعل المرأة نفس الشىء مع قريناتها، ويرجع البعض مرجعيته فى هذه العادة إلى أنها «سنة»، ويزيدون على ذلك بالتدقيق فى عدد القبلات، فإذا قبّل أحدهما الآخر قبلتين أمره الثانى بأن تكون ثلاثا لأن ذلك «سنة».
وقد أجمع عدد من أساتذة الفقه على عدم ورود مثل تلك العادة فى الإسلام، وأن الرسول لم يقم بها، حتى الصحابة لم يفعلوا ذلك فيما بينهم، ولم تفعل ذلك زوجات النبى مع بقية النساء، ويقول د.محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن، عميد كلية الشريعة والقانون: «التقبيل بين الرجال ليس له أصل فى القرآن أو السنة، وإذا ظهر أمر من الأمور التى تقتضى عدم تعامل الناس فيما بينهم بالقبلات والأحضان، أو ظهر مرض فى المجتمع ويخشى العلماء أن يشيع ويتحول إلى وباء،
فالقبلات والأحضان فى هذه الحالة تكون أقرب إلى التحريم، حتى لا تؤدى إلى الإضرار بالناس عملا بالقاعدة الفقهية التى تقول (لا ضرر ولا ضرار)، والادعاء أن القبلات بين الرجال لها أساس دينى أمر مغلوط، فهى عادة اجتماعية تعلمها المسلمون من خلال رؤيتهم للرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، الذى كان يقبّل كل مَنْ يراه حتى وإن لم يكن التقبيل واردا فى ثقافة الرؤساء الأجانب الذين يقابلهم».
بينما يقول د.أحمد كريمة، أستاذ الشريعة فى جامعة الأزهر: «من المقرر شرعا أن وسائل إظهار المودة والمحبة بين الناس مأمور بها شرعا فى حدود الآداب الشرعية، مثال ذلك البشاشة فى الوجه أو المعانقة مع اتحاد النوع الرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة، والمصافحة..
أما عادة التقبيل فهى عادة مذمومة ومرذولة بصفة عامة، لم ترد فى سُنة صحيحة لا بالقول ولا بالفعل، خاصة إذا كانت القبلة على الوجه، لكن ورد التقبيل على اليد فى الأحوال الخاصة مثل الولد لوالده أو التليمذ لشيخه بشرط ألا تتواجد موانع طبية، فقد ورد أن رجلا مجذومًا كان فى وفد ثقيف وأراد أن يبايع النبى بالمصافحة، وقال له النبى: ارجع صافحناك، والنبى بهذا يؤصل استخدام الأساليب الوقائية، أما التقبيل على الكتف أو الخدين أو الفم فهى عادات بيئية لا علاقة لها بالإسلام،
وحيث إنه فى زمن الأوبئة يجب اتخاذ الاحتياطات المناسبة تبعا للقاعدة الفقهية (دفع المفاسد مقدم على جلب المنافع)، أما زوجات الرسول فلم يكنَّ يقبلن النساء وليست هناك سُنة عن القبلة فى المصافحة حتى يكون هناك عدد معين لها». د. محمود عاشور، عضو مجمع البحوث الإسلامية، انتقد من يغالطون فى الدين بقولهم «السلام لله» لينهروا بها من لا يقبل على تقبيلهم، أو يرون فى المصافحة فقط أمرا مهينا لهم، بل إنه طالب بألا تكون هناك مصافحة فى حالة انتشار الأوبئة،
ويقول: «المصافحة بالتقبيل ليست من السنة، ولكنها عادة قديمة قبلية، فالإسلام أقر السلام بالمصافحة فقط دون تعانق أو تقبيل، وإذ رأى رجال العلم أن فى حالات الأوبئة يصبح ضروريا عدم المصافحة أو القبل لما ينقله من عدوى فيجب الانصياع لأوامرهم، لأن الله تعالى قال: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، وهو مبدأ يقر أهمية الصحة التى أقرها الله فى الأديان كافة، ويكفى على المسلم أن يقول (السلام عليكم) فقط دون أن يمد يده بالمصافحة، وهو ما كان يحدث فى صدر الإسلام».
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :-
فالمشروع عند اللقاء هو السلام والمصافحة بالأيدي ، وإن قدم الإنسان من سفر فتشرع معانقته ، وأما التقبيل عند كل لقاء فليس من سنة السلام ، بل ورد النهي عنه ، فقد روى الترمذي (2728) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي .
نعم ، يشرع التقبيل أحيانا ، للقادم من سفر ونحوه ، وانظر السؤال رقم (34497 ) .
وأما تبادل القبل كل صباح ، فلا شك في عدم مشروعيته ، وأنه ظاهرة غريبة دخيلة على مجتمعات المسلمين ، ويخشى أن تكون ذريعة لمن في قلبها مرض ، تتوصل بذلك إلى استمتاع محرم ، في إطار ظاهرة أخرى مذمومة تسمى ظاهرة الإعجاب ، وهي العشق المحرم من غير شك .
قال النووي رحمه الله :
" وأما المعانقة وتقبيل وجه غير القادم من سفر ونحوه - غير الطفل - فمكروهان ، صرح بكراهتهما البغوي وغيره ... فأما الأمرد الحسن فيحرم بكل حال تقبيله سواء قدم من سفر أم لا ، والظاهر أن معانقته قريبة من تقبيله ، وسواء كان المقبِّل والمقبَّل صالحين أو غيرهما " انتهى من "المجموع" (4/477) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هناك ظاهرة تقبيل الشباب بعضهم البعض على الخدود في كل ملتقى ، وفي كل يوم ، وانتشرت هذه الظاهرة مع الشيوخ وفي المسجد وفي الصف ، هل هذا مخالف للسنة أم لا حرج فيه أم بدعة أم معصية أم جائزة ... ؟
فأجابوا : " المشروع عند اللقاء : السلام والمصافحة بالأيدي ، وإن كان اللقاء بعد سفر فيشرع كذلك المعانقة ؛ لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا ، وإذا قدموا من سفر تعانقوا ) . وأما تقبيل الخدود فلا نعلم في السنة ما يدل عليه " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/128) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/74) تحت حديث رقم (160 ) ، وهو حديث الترمذي الذي ذكرناه في أول الجواب :
" فالحقُّ أنّ الحديث نصٌّ صريح على عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء ، ولا يدخل في ذلك تقبيل الأولاد والزوجات ؛ كما هو ظاهر .
وأمّا الأحاديث التي فيها أنّ النبيّ صلي الله عليه وسلم قبّل بعض الصحابة في وقائع مختلفة ؛ مثل تقبيله واعتناقه لزيد بن حارثة عند قدومه المدينة ، واعتناقه لأبي الهيثم بن التيهان ، وغيرهما ؛ فالجوّاب عنها من وجوه :
الأول : أنها أحاديث معلولة لا تقوم بها حجة . . .
الثاني : أنه لو صحّ شيء منها ؛ لم يجز أن يعارض بها هذا الحديث الصحيح ؛ لأنها فعل من النبيّ صلي الله عليه وسلم يحتمل الخصوصيّة أو غيرها من الاحتمالات التي توهن الاحتجاج بها ، على خلاف هذا الحديث ؛ لأنه حديث قوليّ وخطاب عام موجّه إلى الأمة ؛ فهو حجة عليها ؛ لما تقرر في علم الأُصول أنّ القول مقدّم على الفعل عند التعارض ، والحاظر مقدمٌ على المبيح ، وهذا الحديث قولٌ وحاظرٌ ، فهو المقدّم على الأحاديث المذكورة لو صحّت .
وكذلك نقول بالنسبة للالتزام والمعانقة ، أنها لا تشرع لنهي الحديث عنها ، لكن قال أنس رضي الله عنه : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا ، فإذا قدموا من سفرٍ تعانقوا ) . رواه الطبراني في الأوسط ، ورجاله رجال الصحيح ، كما قال المنذري (3/270) ، والهيثمي (8/36) .
وروى البيهقي (7/100) بسند صحيح عن الشعبي : ( كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا ؛ صافحوا ، فإذا قدموا من سفر ؛ عانق بعضهم بعضاً ).
وروى البخاري في الأدب المفرد (970) ، وأحمد (3/495) عن جابر بن عبد الله قال : ( بلغني حديث عن رجلٍ سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتريت بعيراً ، ثمّ شددتُ عليه رحلي ، فسرتُ إليه شهراً حتى قدمتُ عليه الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس ، فقلت للبـواب : قل له : جابر على الباب . فقال : ابن عبد الله ؟ قلتُ : نعم . فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته . . ) الحديث . وإسناده حسن كما قال الحافظ ( 1/ 195) ، وعلّقه البخاري .
فيمكن أن يقال : إن المعانقة في السفر مستثنى من النهي لفعل الصحابة ذلك " انتهى .
والله أعلم .
ومن مكان اخر
كتب هيثم دبور ١٨/ ٥/ ٢٠٠٩
ارتبطت عادة التقبيل لدى شعوبنا العربية بتبادل التحية، فأصبحت طقساً لا يغيب عن أى مجتمع عربى، بدءاً من التقبيل على الوجنتين وانتهاء بالكتف والأنف، فصارت جزءاً من ثقافتنا رغم أن التأمل فيها تاريخياً ودينياً
وصحياً ونفسياً، سيصل بك إلى حقائق ستدفعك أن تحيد عن هذه العادة، فأضرارها الصحية لا تعد ولا تحصى، «المصرى اليوم» تطلق حملة للتوقف عن التقبيل كتحية، وتدعو قراءها إلى المشاركة فيها بالرأى والمقترحات، وتنتظر إسهاماتهم الكريمة.
تختلف درجة إظهار المصريين لمودتهم أثناء المقابلات اليومية المعتادة، تبدأ بالمصافحة التقليدية مرورا بالاحتضان وانتهاء بالتقبيل، الذى يستخدمه المصريون لإظهار المودة أو الامتنان أو السعادة بالتعارف الأول لشخص جديد، ولا تقتصر تلك العادة على نوع دون آخر، يقبّل الرجل قرينه أثناء المصافحة، وتفعل المرأة نفس الشىء مع قريناتها، ويرجع البعض مرجعيته فى هذه العادة إلى أنها «سنة»، ويزيدون على ذلك بالتدقيق فى عدد القبلات، فإذا قبّل أحدهما الآخر قبلتين أمره الثانى بأن تكون ثلاثا لأن ذلك «سنة».
وقد أجمع عدد من أساتذة الفقه على عدم ورود مثل تلك العادة فى الإسلام، وأن الرسول لم يقم بها، حتى الصحابة لم يفعلوا ذلك فيما بينهم، ولم تفعل ذلك زوجات النبى مع بقية النساء، ويقول د.محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن، عميد كلية الشريعة والقانون: «التقبيل بين الرجال ليس له أصل فى القرآن أو السنة، وإذا ظهر أمر من الأمور التى تقتضى عدم تعامل الناس فيما بينهم بالقبلات والأحضان، أو ظهر مرض فى المجتمع ويخشى العلماء أن يشيع ويتحول إلى وباء،
فالقبلات والأحضان فى هذه الحالة تكون أقرب إلى التحريم، حتى لا تؤدى إلى الإضرار بالناس عملا بالقاعدة الفقهية التى تقول (لا ضرر ولا ضرار)، والادعاء أن القبلات بين الرجال لها أساس دينى أمر مغلوط، فهى عادة اجتماعية تعلمها المسلمون من خلال رؤيتهم للرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، الذى كان يقبّل كل مَنْ يراه حتى وإن لم يكن التقبيل واردا فى ثقافة الرؤساء الأجانب الذين يقابلهم».
بينما يقول د.أحمد كريمة، أستاذ الشريعة فى جامعة الأزهر: «من المقرر شرعا أن وسائل إظهار المودة والمحبة بين الناس مأمور بها شرعا فى حدود الآداب الشرعية، مثال ذلك البشاشة فى الوجه أو المعانقة مع اتحاد النوع الرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة، والمصافحة..
أما عادة التقبيل فهى عادة مذمومة ومرذولة بصفة عامة، لم ترد فى سُنة صحيحة لا بالقول ولا بالفعل، خاصة إذا كانت القبلة على الوجه، لكن ورد التقبيل على اليد فى الأحوال الخاصة مثل الولد لوالده أو التليمذ لشيخه بشرط ألا تتواجد موانع طبية، فقد ورد أن رجلا مجذومًا كان فى وفد ثقيف وأراد أن يبايع النبى بالمصافحة، وقال له النبى: ارجع صافحناك، والنبى بهذا يؤصل استخدام الأساليب الوقائية، أما التقبيل على الكتف أو الخدين أو الفم فهى عادات بيئية لا علاقة لها بالإسلام،
وحيث إنه فى زمن الأوبئة يجب اتخاذ الاحتياطات المناسبة تبعا للقاعدة الفقهية (دفع المفاسد مقدم على جلب المنافع)، أما زوجات الرسول فلم يكنَّ يقبلن النساء وليست هناك سُنة عن القبلة فى المصافحة حتى يكون هناك عدد معين لها». د. محمود عاشور، عضو مجمع البحوث الإسلامية، انتقد من يغالطون فى الدين بقولهم «السلام لله» لينهروا بها من لا يقبل على تقبيلهم، أو يرون فى المصافحة فقط أمرا مهينا لهم، بل إنه طالب بألا تكون هناك مصافحة فى حالة انتشار الأوبئة،
ويقول: «المصافحة بالتقبيل ليست من السنة، ولكنها عادة قديمة قبلية، فالإسلام أقر السلام بالمصافحة فقط دون تعانق أو تقبيل، وإذ رأى رجال العلم أن فى حالات الأوبئة يصبح ضروريا عدم المصافحة أو القبل لما ينقله من عدوى فيجب الانصياع لأوامرهم، لأن الله تعالى قال: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، وهو مبدأ يقر أهمية الصحة التى أقرها الله فى الأديان كافة، ويكفى على المسلم أن يقول (السلام عليكم) فقط دون أن يمد يده بالمصافحة، وهو ما كان يحدث فى صدر الإسلام».